16 - 08 - 2024

ترنيمة عشق | حين ينتصر الإنسان على الإله!

ترنيمة عشق | حين ينتصر الإنسان على الإله!

  آلام مُبرحة بالبطن عانت منها صديقتي؛ أجمع الأطباء على ضرورة إجراء جراحة كَحلٍ وحيد وأمثل... 

  بقليل من الثّقة وكثيرٍ من عدم التّصديق استمعنا لنصيحة صديقة لنا؛ أشارت بضرورة تجربة "الطّب الصّيني" بـ "دبي" وأن ننحي فكرة الجراحة جانبًا؛ فتوجهنا من فورنا نُمنّي أنفسنا بنزهة في مدينة "دبي" المبهرة قبل إجراء الجراحة فلم نكن نثق في النّصيحة المُهداة !! ورغم ذلك توجهنا بعدها للعيادة "الصّينية" ذائعة الصّيت؛ ووضعت الصديقة نفسها تحت إرادة الطّبيب.

  طلب منها الطّبيب أن تخلع ملابسها كاملة؛ بعدها ارتدتْ زيًّا خاصًا فضفاضًا من "القطن الطّبيعي"، واقتعدتْ القرفصاء؛ مغمضة العينين؛ ناصحًا إيّاها أن تطلق عنان خيالها في اللاشيء؛ كنوعٍ من إراحة الذّهن المجهد من التّفكير، وأن توقن في قرارة نفسِها بقدرتها على التّخلص من آلامها... وفي تلك الأثناء يقوم الطّبيب بسكب "الحليب" بكميات كبيرة، وكذلك أنواع معينة من الزّيوت الطّبيعية والأعشاب المذابة لدهن وتسميد "الرّأس والجسد" كله... وبعد عدة جلسات متوالية شُفيت صديقتي تمامًا !! عُدنا بعدها للجراح لنلغي موعد الجراحة... فبُهتَ من النّتيجة !! 

  حال عودتنا للطّبيب الصّيني استوضحته فقال: "نحن نتصالح مع الجسد؛ ونستنهض همته؛ ونرسل له رسالة مفادها أنّا نثق في قدرته على المقاومة؛ مستخدمين موادًا وأعشابًا مما تنبت الأرض؛ وهي نفْس مكونات الجسد البشري المخلوق من تراب وماء، ولا نستخدم الأدوية الكيماوية والمضادات الحيوية التي تقوم بالنّيابة عن الإنسان بمهاجمة المرض وتتولى القضاء عليه... بل وتقضي على الإنسان ذاته بمرور الوقت" !!

  حتى في مجال الطّب تتجلى فلسفة الغرب في الصّراع، فتاريخه كله قائم على خلق عدو حقيقيّ أو وهميّ، الغربيون مهوسون بحُب السّيطرة مذ كانوا عصابات... وصولًا لسيطرتهم على الأرض الجديدة: "أمريكا"؛ وإبادة الهنود الحمر... أصحابها الأصليين. 

  ولأنٰهم شعوب انحدرتْ من ديانات وأعراق متباينة؛ فكان ولابد أن يتحدوا تحت هدف واحد يجمعهم خلف قيادتهم، ولم يكن هذا الهدف سوى: "اصطناع عدو"؛ كنوعٍ من تحفيز الهمم وتوخي الحيطة والحذر من التّفكك والتّشتت... وهنا يرى اختصاصيو "عِلم النّفس" أنّ مريضًا هكذا حين يبذل قصارى جهده لخلق عدو؛ فكيلا يجد وقتًا يقف فيها أمام مرآة ذاته ليرى قُبح نفسه !! 

  بعد سقوط الأندلس؛  وبتتبع السّلوك الغربي تجاه المسلمين واليهود وسكان العالَم الجديد؛ وحركات التّطهر العرقي في "البلقان"؛ يبدو بجلاء رفض الغرب لفكرة التّعايش مع الآخر، فمنذ "الرومان" الذين اتّبعوا سياسة: "المدن المحترقة"؛ والسّلوك التّدميري ينطلق لديهم من عقلية مردّها الصّورة المتضخمة للذّات والمتعالية التي تنبذ الآخر وتنفي وجوده.

  حتى أنّ "العقيدة اليونانية" ترتكن على فكرة الصّراع بين الألهة بعضها بعضًا؛ وبينها وبين الإنسان من طرف آخر، وصولًا لفكرة انتصار الإنسان على الإله !! وذلك تصور لا مثيل له في العقلية الشّرقية.

  حين تحولت المسألة لديهم للصّراع بين السّلطة المدنية والدّينية؛ قادهم نزقهم الفكري إلى الوثوق بفكرة الانتصار بدون إله !! وتساءلوا: "ما حاجتنا لإلهٍ ؟! وقالوا: فإن كان ولابد فلينصرنا نحن لأننا أهل الخير !! وليُمِت أعداءنا لأنّهم أهل الشّر" !! 

  وهنا نتذكر كلام الرّئيس الأمريكي "بوش" عن: "محور الشّر"؛ وكيف أنّ الرّب يقف معه ويدفعه للحرب العراقية !! وعلى هذا فلابد من وجود منتصر ومهزوم، ويرون أنه لابد من الاختيار بين: "وجودي ووجودك... ومصالحي ومصالحك... والقوة هي الحاسم بيننا، والبقاء هو الهدف، والتّخلي عن القيم والدّين ضروري إذا كان سيَحول دون النّصر" !!

  من هنا انتهى الصّراع بين الدّولة والكنيسة بإقصائها عن المشهد، وامتد حتى إقصاء الآخر، وقُدم النّموذج "الغلابي" كنموذج متفرد ووحيد، وصُنّفت شعوب المعمورة طبقًا لتصوره، وأصبح القتل والتّدمير وإبادة الشّعوب لا مانع منها، بل وإعطاء الضّوء الأخضر للنّظم المستبدة بسحق شعوبها أو التّضحية بعدة ملايين... مقابل أن ينعم الباقون بالتّرف قياسًا على النّسق الغربي (لاحظوا الخطاب الإعلامي الذي لم يمانع في سحق عدة ملايين من البشر مقابل أن يهنأ الباقون برغد العيش)، بل وإقصاء العقول المفكرة (كما حدث بالعراق)، واعتقال من يدافعون عن القيم الفكرية والدّينية، بعدها سيبدو الآخر "أي نحن" على هيئة شعوب همجية لا تملك مقومات الابتكار !! ثم تُدفع بعدها دفعًا للتّرويج للقيم الهابطة وازدراء الدّين (لاحظوا وسائل إعلامنا والفن في الآونة الآخيرة)... وبذلك ندور في إطار الصّورة التي أرادوها -هُم- لنا وقد نفّذناها لهم بأيدينا !! 

  وهكذا تقوم العقيدة الغربية على فلسفة "الصّراع"؛ ليس في المجال السّياسي فحسب؛ بل والاقتصادي والعقائدي والاجتماعي والطّبي؛ وذلك ما نبهنا إليه "الطّبيب الصّيني". 

  تُرانا مازلنا نأمل خيرًا في التّواصل مع الغرب بأي شكل من أشكال التّعاون ؟ أم أن فهمهم يحتم علينا أن نلتفت لشعوبنا وأقطارنا نتلمس مقومات توحدنا ؟ لأنّا فقط القادرون على تقبل الآخر الذي لم ولن يقبل وجودنا، ولا يرتاح إلا بخلق عدو يكون سببًا في إيقاظه بشكل دائم.
----------------------------
بقلم: حورية عبيدة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!